لعب السودان دورًا مهمًا كملتقى للحجاج الأفارقة، على مر العصور.
وكانت "طريق السودان" بين أكثر الطرق استعمالًا لحجاج القارة الأفريقية، الذين لم تُثنِهم صعوبة الطریق، وبعد المسافة عن أداء فریضة الحج.
فبينما كانت رحلة الحجاج "قطعة من العذاب" تستغرق في بعض الأحيان سنوات عدة ذهابًا وإيابًا، وعلى الرغم من صعوبتها، إلا أنها خلقت تآلفًا منقطع النظیر بین الحجاج القادمین من البقاع المختلفة، وبین سكان القرى والمدن التي یمرون بها، وهم في طریقهم نحو مكة المكرمة.
عُرف طريق الحج من السودان إلى الحجاز منذ قرون، وكان الحجيج يتعرضون لمهالك السفر المتعددة، فبعضهم كان يضيع في الطريق، وغيره كان يحول المرض بينه وبين عودته إلى بلاده لسنوات، ومع كل تلك الأحداث الخطيرة المحيطة بسفر الحاج، فإن أحدًا لم يمتنع عن القيام بأداء الفريضة.
وعلى الرغم من أن رحلة الحج قديمًا كانت مضنية، وتتطلب جهودًا كبيرة في ما يخص الإعداد والتجهيز للحج منذ أن تبدأ السنة، وكان السفر إلى الحج أمرًا عظيمًا لدى سكان السودان والقارة الأفريقية، نظرًا للمخاطر التي تحف الطريق، وطول الرحلة، وما يكتنفها من أحوال جوية متقلبة، ومخاطر يتسبب فيها قطاع الطرق، وغزوات الاسترقاق، والحيوانات المفترسة وغير ذلك.
قديمًا، كان الحجاج القادمون من السودان يتأخرون في بلاد الحجاز بعد أداء الحجّ، ولا يعودون إلا بعد مدة طويلة، يقضون بعضًا منها في مجاورة الحرمين الشريفين، ويتلقون تعاليم الدين الحنيف، ويتصلون بشكل مباشر بالشيوخ والعلماء، ويقفون على آخر ما ألّفوه، وساعدهم ذلك في تعلّم الكثير، كما أثرتهم بحصيلة علمية وافرة، كان لها نصيب كبير في الإسهام في ازدهار الحركة الثقافية والفكرية في بلاد السودان.
وفي طريقهم إلى مكة المكرمة، حرص الحجاج القادمون من السودان على التزود بالطعام في كل محطة كبيرة یمرون بها، لاسیما المواد المعمرة كالتمر، وكانو یأخذون كفایتهم من الماء كلما مروا ببئر أو نبع، مع أنهم كانوا یعطّشون الإبل مدة طویلة، ثم یوردونها الماء حتى ترتوي، ثم یشدون على أفواهها حتى لا تیبس بطونها ویتبخر ما بها من ماء يستخدمونه للضرورة القصوى.
وكان ركب الحج عبارة عن قافلة متكاملة، وله طرق معروفة یسلكها، فضلًا عن طرق التجهیز لرحلة الحج من زاد وجمال وغیرها. ولركب الحاج قائد مطلق الصلاحیة والنفوذ یسمى "شیخ الركب" أو "المقدم"، ویكون عادة صاحب مكانة علمیة أو دینیة مهمة.
كذلك، كانت تستأجر القافلة مرشدًا مقابل أجر معلوم، حتى تصل قافلة الركب إلى المحطة التي تنتهي عندها معرفة الدلیل بالأرض.
ویجب أن یكون الدلیل ماهرًا عارفًا بالأرض ومسالكها ومواطن المیاه فیها، خبيرًا بمكامن الخطر والخوف لتتجنبها القافلة، وقد كانت مهنة دلالة القوافل حرفة لبعض القبائل الإفریقیة التي تقطن الصحراء.
طريق السودان بين أكثر الطرق استعمالًا لحجاج القارة الأفريقية
كان هناك طريق يسلكه حجاج غرب أفريقيا في قوافل كبيرة تحتاج إلى ترتيب خاص وعام. ومن أهم تلك الطرق طريق درب الأربعين. يمر درب الأربعين بالغرب الأفريقي وببلاد الهوسا (شمال نيجيريا، وجنوب نيجريا حاليا)، ثم ببلاد كانم (تشاد حاليًا)، ومناطق وادي شرق تشاد، ثم دارفور في السودان الذي يمر بواحة سليمان، ليتجه نحو أسيوط في مصر، ثم البحر الأحمر، ومنه إلى الأراضي المقدسة.
يشبه طريق السودان درب الأربعين، لكنه بدل أن يتجه من دارفور نحو الشمال الشرقي، فإنه يواصل شرقًا إلى كردفان وحاضرتها الأبيض فالخرطوم، ويتجه شرقًا إلى ميناء سواكن على البحر الأحمر، ثم الأماكن المقدسة.
وشكل هذا الطريق أكثر الطرق استعمالًا لحجاج القارة الأفريقية. ويعد هذا الطريق من أقدم طرق الحج الأفريقية، ولكن في أواخر القرن التاسع عشر، ومع إندلاع الحرب في المناطق الواقعة حول (ممكلة برنو) التي حكمت نيجيريا في الفترة من 1880 إلى 1893 اضطرت قوافل الحجاج للانصراف إلى طرق أخرى، منها الطريق الصحراوي الذي يشق الصحراء من بلاد (أقدز) في نيجيريا إلى (القاهرة)، ثم إلى البحر الأحمر ومنه إلى الأراضي المقدسة.