مكتشف قرية الفاو الحاضر الغائب في عرس "التراث العالمي" في السعودية
سبتمبر 2023,18


لم يكن الدكتور الراحل عبدالرحمن الأنصاري مجرد عالماً للآثار فحسب، بل كان زيادة على ذلك مؤرخاً ومكتشفاً، فهو مؤسس ورائد علم الآثار في السعودية، حتى لقب بـ"أبو آثار الجزيرة العربية".

للدكتور الأنصاري جهود وإنجازات مشهودة في مسيرته العلمية والعملية، ومن أهمها تأسيسه لدراسة علم الآثار بجامعة الملك سعود، إلاً أن قيادته أعمال التنقيب الأثري في قرية الفاو، من أبرز أعمال الراحل.

بدأت الأعمال الميدانية في موقع الفاو في سبعينات القرن الماضي بقيادة الدكتور الأنصاري، واستمرت لأكثر من 40 عاماً، كشف خلالها عن عديد من الجوانب الثقافية للموقع أبرزها المنطقة السكنية، منطقة السوق، المعابد، والمقابر، ونشرت النتائج في سبع مجلدات.

واليوم، وبعد مرور نحو ستة أشهر على رحيل الدكتور الأنصاري، تشهد الرياض "عرساً تراثيا"، يتمثل في اجتماعات الدورة الـ145 للجنة التراث العالمي، التي يغيب عنها العالم الأنصاري بجسده، لكن روحه ظلت حاضره، كونه عراب التراث في المملكة ورائده، إضافة إلى أن محمية عروق بني معارض التي تدرس اللجنة إدراجها ضمن قائمة التراث العالمي، تبعد نحو 20 كيلومترا فقط عن قرية الفاو التي اكتشفها الراحل.

حضور العالم الأنصاري بدأ مبكرًا مع انطلاق أعمال اللجنة، فقد بدأ العرض الأدائي في حفل الافتتاح بمشهد يمثل العالم الأنصاري، وهو يكتشف حجرًا أخفت الأرض حكاياته بين ثنايا التراب، يمسكه بدهشة وينفخ عليه ليزيل الغبار عنه، ثم يتطاير الغبار ويتحول تدريجيًا إلى ريح تهمس همسات غير مفهومة، تتداخل معها أصوات ضرب الحجر بالحجر، معلنة انطلاق الرحلة عبر التاريخ والمكان.

وشكل الحجر المكتشف في المشهد الأول عنصرًا ثابتًا في جميع مشاهد العرض فتراه تارة بشكل ملموس على المسرح، وتارة بصورة رقمية على الشاشات، يكون مرة حجرًا حفر عليه الإنسان الأول نقوشه الصخرية، وأخرى ركنًا في الحجر وبعدها زاوية في بيت من بيوت رجال ألمع ليصل في المشهد الأخير، ليكمل رسم الدرعية على الشاشات.

المشهد عاد بذاكرة الدكتورة لبنى الأنصاري ابنه العالم الراحل، إلى عشرات الأعوام، حيث كانت بداية انطلاقة والدها في عالم التراث والآثار، لتروي مشهدًا في تغريدة لها عبر منصة إكس، كان قد رواه لها والدها حينما كان في رحلة ميدانية لجبل أُحُد في المدينة المنورة، لدراسة غزوة أحد في موقعها، وأثناء الرحلة وجد أحد الطلبة سيفًا مغمدًا في الأرض، وحينما سحبه تحول إلى تراب تناثر حولهم، تقول: "ذكر أبي فيما بعد أن هذا الموقف كان ملهمًا له ليفكر بعمق في تخصص الآثار، لتبدأ رحلته بعد الجامعة في التنقيب ودراسة الماضي لصناعة المستقبل".

حضور الدكتور الأنصاري لم يكن عبر ذلك المشهد وحسب، بل كان من خلال سيارته أيضاً التي شهدت صولاته وجولاته خلال مشواره على طريق التراث، فقد كانت حاضرة في حفل الافتتاح لتذّكر بأنه رحل لكن أثره باقٍ.

يُذكر أن للراحل البروفسور عبدالرحمن الأنصاري المتوفى بداية العام الحالي 2023م، صاحب إسهامات في التنقيب الأثري وإعادة اكتشاف عديد من الحضارات التي تعاقبت على الجزيرة العربية، كما امتدّت أعماله إلى مدينة القدس، حيث أجرى فيها تنقيبات أثرية مع عالمة الآثار البريطانية الشهيرة كاثلين كينيون (توفيت 1978).

جميع الحقوق محفوظة لوزارة الإعلام | المملكة العربية السعودية © 2023