طالبين السماح وسط أجواء تصاحبها المشاعر الجيّاشة، تلك هي اللحظات الأخيرة التي كان يعيشها حجاج ليبيا قديمًا، عندما يحين موعد انطلاقهم إلى الحج، في رحلة مرهقة تحمل كثيرًا من المخاطر، كغرق الباخرة أو تفشي الأمراض أو العدوى. حيث ساد اعتقاد شعبي بأن الحاج قد لايعود مرة أخرى، لأن كثيرًا منهم قد يموت ويدفن في الأراضي المقدسة، أو في طريق العودة أو الذهاب.
كغيرهم من حجاج إفريقيا، سلك حجاج ليبيا طرقًا مختلفة للوصول إلى الحجاز لأداء فريضة الحج في مكة المكرمة، وعلى الرغم من أن كثيرًا من تلك الطرق كان يمر عبر المغرب، ويكمل الطريق مع الحجاج المغاربة عبر ليبيا والجزائر برًا قرب ساحل البحر المتوسط، أو عبر البحر بالسفن حتى الإسكندرية، ومنها للجنوب عبر المراكب النيلية، ثم الحجاز عبر البحر الأحمر أو عبر طريق سيناء، فإن بعض الطرق الأخرى، مثلما كتبه ابن خلدون والمقريزي عن حجاج وسط وغرب إفريقيا، كانت تمر عبر الصحراء الإفريقية الخطيرة المحرقة، مرورًا بالسودان ثم مصر، ومنها للحجاز عبر البحر الأحمر، أو عبر الصحراء السيناوية.
ميناء طبرق الليبية نقطة عبور
وشكل ميناء طبرق الليبية نقطة عبور للحجاج المغاربة وحجاج تشاد وتونس وأقطار أفريقية أخرى، ليعبروا بعدها قناة السويس إلى البحر الأحمر، حيث ترسو السفن في ميناء جدة أخيرًا، ليستقبلها المطوّف الذي يتولى مهام مرافقة الحجاج وإرشادهم طيلة موسم الحج.
وعلى الرغم من المجهول الذي كان ينتظرهم، كان سفر الحجاج إلى بيت الله فى كل عام من الأحداث البارزة في المجتمع الليبي، إذ يستغرق الراغبون في أداء الفريضة في الإعداد لتلك الرحلة أشهرًا طويلة، وتظل بيوت الراغبين فى الحج مفتوحة للزوار والمهنئين، وفي نشاط مستمر لإعداد ملابس الإحرام والملابس الأخرى، التي يرتدونها في الأراضي المقدسة، إضافة إلى إعداد الأطعمة التي يحملها الحجاج في رحلتهم.
توديع الحجاج من الأيام المشهودة في المدن الليبية
كانت تبدو على خلفية مشاهد الفرحة الغامرة على الحجاج، مشاعر من الخوف والقلق من المجهول، بل من المخاطر التي جعلت الذاهبين إلى الحج في تلك الأزمنة القديمة يُقال في شأنهم: الذاهب مفقود والعائد مولود.
وكان توديع الحجاج من الأيام المشهودة في المدن الليبية، حيث يزدحم الميناء بأفراد العائلة أو القبيلة والأقارب والمعارف، إذ كانت لرحلات الحج في الأزمنة القديمة مخاطر ومصاعب كثيرة.
فبعض الحجاج قد يموت ويدفن في الأراضي المقدسة أو فى الطريق العودة او الذهاب، وكانت اللحظات الأخيرة تمتلىء بالوصايا من الطرفين، فالحاج يوصي برعاية أهل بيته، والمودَّع يوصى الحاج بالدعاء له.
حتى اليوم، لا تزال قصص الأجداد الذين حجوا بيت الله الحرام تروى في جميع أحياء ليبيا، لتؤكد مدى تعلق الليبيين بشعيرة الحج إلى بيت الله الحرام.