كان الزمازمة وأبناؤهم يتولون وضع الدوارق وأدوات الشراب الصغيرة، بعدما يتم وضع النيشان الخاص بها عليها، ثم تتبعها عملية تبخير بماء الورد والكادي والزهر، فيما يرتدي أبناء تلك المهنة البالغ عددهم نحو 900 فرد، اللباس التقليدي من البقشة والعمامة والسديرية.
منذ أكثر من 14 قرنًا، وعند حدود الحرم المكي يبدأ اللقاء الأول بين ماء زمزم وبين الحجاج القادمين من جميع بقاع الأرض، حيث يقوم شبان مكيّون باستقبالهم في الحافلات، وتوزيع ماء زمزم، تعتبر القطرة الأولى لسلسلة عبوات دوارق (القارورة الفخارية) على الحجاج في مساكنهم على مدار اليوم، في تقليد مهني يقوم به أهل السقاية أو الزمازمة منذ وصول الحجاج حتى توديعهم.
واكتسب عمل الزمازمة (السقاية) أهمية كبيرة بسبب شح المياه في المدينة المقدّسة.
وبدأ تاريخ مهنة السقاية والرفادة منذ عهد عبدالمطلب بن هاشم، جد النبي عليه الصلاة والسلام، وظلت في نسله فترة طويلة حتى انتقلت إلى آل الزبير وظلت فيهم فترة، ونظراً لكثرة الحجاج أشركوا معهم غيرهم في العمل، حيث تشرف بمهنة سقاية الحجاج، عدد كبير من الأسر المكية، التي تعرف حاليًا بالزمازمة.
وانتشرت عائلات الزمازمة في جميع أنحاء الحرم المكي، قبل انتشار برادات وترامس ماء زمزم في الحرم.
إذ كان لكل عائلة مكان يدعى (الخلوة)، يضعون فيه أوانيهم المكونة من الأزيار المغربية، والدوارق والأواني النحاسية، وذلك لسقاية الزائرين والطائفين، فيما كان المطوفون يقومون بالتنسيق مع الزمازمة لتوفير المياه للحجاج في مساكنهم أيضًا.
وحرص ملوك المملكة العربية السعودية، في الزمن الحديث بدءًا من الملك المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود -رحمه الله- الذي أولى اهتمامًا كبيرًا بزمزم، ثم استمرّ أبناؤه من بعده تباعًا على خطاه؛ سعود وفيصل وخالد وفهد وعبدالله، إلى العهد الزاهر عهد خادم الحرمين الشريفين الملك سلمان بن عبد العزيز -حفظه الله.
تبخير الدوارق بالمستكة لتكتسب رائحة جميلة
كان الزمازمة ينقلون ماء زمزم في "القرب" بواسطة السقاة، ثم يضعونه في أزيار، وهي عبارة عن أوعية فخارية كبيرة تشبه الخزان، وكذلك في البراميل المصنوعة من الزنك، وكان لديهم دوارق يقومون بتبخيرها بـالمستكة ليكتسب الماء رائحة جميلة، ومن ثم يملؤون تلك الدوارق ليقوم أبناء الزمازمة بتقديمها للحجاج في أوعية نحاسية.
وتم تخصيص خلوة من الخلاوي لكل عائلة، (وهي غرف مخصصة للزمازمة في أقبية الحرم المكي الشريف)، وكان لكل زمزمي منطقة معينة يجلس بها داخل الحرم، ويقوم الزمزمي بتوزيع الدوارق على الحنابل الموجودة بالحصاوي المخصصة له، والتي كانت موجودة داخل الحرم، تلك الدوارق عليها نيشـان (علامة مميزة) يعرفها الزمازمة أنفسهم، كانت تتم كتابتها على كل دورق بواسطة (شمع العسل) مع (الرماد)؛ فيشكل لونًا أسود يصعب مسحه من على الدورق، وذلك لمعرفة كل زمزمي لدوارقه وعدم ضياعها.
لـ"الزمزميّات" شرف الحصول عن المهنة
ومؤخرًا أسند مكتب الزمازمة الموحد، شرف المهنة لنساء الزمازمة (الزمزميات) بالمشاركة خلال موسم الحج، في عديد من المجالات التي تعنى بتقديم الخدمة منذ عام 1430ه، وكان من أجلها وأعظمها شرفًا، زيارة ضيوف الرحمن من الحاجّات المنومات على الأسرة البيضاء بالمستشفيات الحكومية داخل حدود مكة المكرمة، وبشكل دوري طيلة موسم الحج لتقديم ماء زمزم لهن في عبوات بلاستيكية ذات السعات المختلفة والهدايا المصاحبة لذلك.
1982 عام إطلاق مكتب الزمازمة الموحد
وشارك الزمازمة في غسل الكعبة خلال عهد الملك المؤسس عبدالعزيز بن عبدالرحمن -رحمه الله، واستمر الاهتمام بمهنة الزمازمة حتى أصدر الملك فيصل بن عبدالعزيز آل سعود -رحمه الله، نظـام "المطوفين العام"، وذلك لتحسين أداء أرباب الطوائف، وفتح باب المنافسة بينهم.
فيما استمر العمل به إلى أن أنشئت مؤسسات أرباب الطوائف ومكتب الزمازمة الموحد، الذي أنشئ في العام 1982م، حيث صدر أمر ملكي بأن تكون سقاية الحجاج داخل الحرم المكي من مهام رئاسة الحرمين، فيما تم تجميع جميع العائلات التي تعمل في مهنة السقاية، تحت مظلة واحدة، هي "مكتب الزمازمة الموحد"، وأوكل إلى المكتب مهمة سقاية أكثر من مليوني حاج، وإيصال ماء زمزم إلى مساكنهم يوميًا.
ويقوم مجلس إدارة مكتب الزمازمة الموحد بإعداد الدراسات والخطط والبرامج بعد انتهاء موسم الحج، استعدادًا للموسم المقبل، وتتم مراعاة تلافي السلبيات التي صادفت العمل خلال الموسم الماضي، وتوسيع قاعدة الإيجابيات، إضافة إلى دراسـة كل ما من شأنه تحسين الخدمات التي تقدم لضيوف الرحمن، وذلك بالنظر لشرف خدمة حجاج بيت الله الحرام بسقياهم ماء زمزم المبارك نعمة كبرى، حيث توحدت الجهود، وتضافرت في خدمة الحجيج.