يرتبط الإيقاع منذ القدم بتشكيل التواصل بين البشر، فمدى قرع الطبول يمكن أن يكون أسرع برقية تعجّل بإيصال الرسائل المباشرة للمتلقي، كما يرتبط لدى العرب برمزية السيادة ومربط الحلّ والعقد، فيما تشكل لدى الصينيين محور تحول من الحرب إلى الفرح عبر طبول "آنساي" الشهيرة، كما أنها "تهزم الخوف" حسب تعبير الروائية التشيلية الشهيرة إيزابيل الليندي.
وحين حضر العالم إلى العاصمة الرياض، ليشهد افتتاح النسخة السادسة من منتدى مستقبل الاستثمار، كان قرع الطبول حاضرًا بدويّ "براميل النفط" حيث اصطف عشرة منها على منصة مسرح المنتدى، لينوء بحمل موازنة إيقاعاتها عشرة موسيقيين يزاوجون بين دويّها وحركة العصي التي يحملونها، مشكّلة حينها منطلقًا لنداء الطبيعة التي تراهن على قدراتها الخام في بناء مستقبل ينهض بقضايا كوكب وأعباء أمم.
ولم ينته الإيقاع عند ذلك المدى، فقد استثارت حينها موجة من التحليلات التي كانت تربط بين البراميل الإيقاعية وموازين الأسقف السعرية للنفط، وتموّجت ردود الفعل بين قارئ لها ضمن أتون التصريحات الإعلامية في سوق الطاقة، ومعجب بتوظيف الرقصة في محفل عالمي يجذب الانتباه عبر مزيج الآلة التقليدية والإيقاع المسرحي.
وما كان لصدى البراميل أن يتوقف عند ذلك الحدّ، فقبل انطلاق النسخة السابعة من منتدى مستقبل الاستثمار بنحو شهر، كان دويّها يلعب على وقع "فن الخطوة"، في محفل ثقافي باهر شهدته أوبرا الميتروبوليتان بنيويورك، وبحضرة قادة وسفراء وساسة من الجانبين السعودي والأمريكي على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة، كان البرميل الأخضر يؤدي دوره ضمن الأوركسترا الوطنية السعودية، مرددة اللحن الشهير "الله ينصرك يا محمّد، شبّ ناره ودفّاني".
نقلة زمنية لإيقاعات البراميل الخضراء، رأى فيها المحللون أوجهًا عدة ومدلولات عميقة، كما يذهب الخبير الاستراتيجي فيصل الحمد إلى أنه "يعبر عن امتزاج الطاقة بالثقافة السعودية، فأصبح النفط جزءًا لا يتجزأ منها"، كما أن "اللون المعتاد للبرميل هو الأسود بسبب النفط، لكن اللون الأخضر يعطي دلالة على لون العلم السعودي، والدين الإسلامي، كما يعرف اللون بالرخاء والازدهار"، ويضيف ثالثًا أنها "مزج لقوة الثقافة الناعمة والقوة الاقتصادية التي تكون بعض الأحيان قوة صلبة"، مؤكدًا أن الرسالة الأهم أن السعودية مصدر الرخاء والاستقرار والازدهار للعالم.