بعد أن سكن تراثها أوراق وملفات اليونسكو لسنوات عديدة، نجحت المملكة العربية السعودية في استقطاب لجنة التراث العالمي إلى أرضها الباذخة بالشواهد التراثية والحضارات التاريخية، مستخدمة في ذلك مطرقتها الناعمة التي لامست خلال الأيام الماضية أفئدة محبي التراث وعشاق تفاصيله الضاربة في القدم.
المطرقة السعودية الناعمة في محكمة التراث العالمي هي الأولى من نوعها في التشكل من عناصر عديدة، إذ كانت مزيجا من المواقع ذات الصيت التاريخي العتيق، وإمكانات قيادية شابة تمثلت في مدير التراث العالمي بالدورة الخامسة والأربعين للجنة التراث التي انعقدت في الرياض خلال الفترة 10-25 سبتمبر الجاري الدكتور عبدالإله الطخيس.
وابتداء بحفل الافتتاح الذي أقيم في قصر المربع التاريخي متضمنًا عروضًا راقصة على رأسها العرضة النجدية المسجلة في قوائم التراث غير المادي منذ 2016، وصولًا إلى حي الطريف بالدرعية التاريخية، في إحدى أهم ندوات الزيارة كانت المملكة تصيب أهدافها المتنوعة في إبصار أرباب الثقافة والتاريخ بقدراتها ومقدراتها التي تشكل جزءًا من هويتها التي تمتزج فيها الأصالة بمظاهر الازدهار والتقدم.
واستطاعت المملكة خلال الأسبوعين الماضين لفت أنظار العالم لملامحها التراثية من خلال نظرات خبراء اليونسكو الذين قرؤوا بأعينهم الفاحصة التفاصيل الدقيقة للتراث السعودي، إضافة إلى الجماليات التي انثنت بين طيات الحقب التاريخية للمنطقة خلال القرون الماضية، والتي ورثها أبناء المملكة بحنكتهم القيادية التي جعلت من أحد شبابهم قائدًا لأطول وأكبر دورة موسعة للجنة التراث العالمي خلال السنوات الأخيرة.
ومن خلال ترتيبها للوفد العالمي زيارات شملت المجمع الملكي للفنون وحرفه اليدوية مثل حياكة السدو ونقش القط، والتوجه إلى العلا التي استضافت واحدة من أكبر المنتديات التراثية للمتخصصين والشباب بين منحوتات الحِجر الصخرية الأثرية، وتنظيمها مجموعة من العروض الراقصة كالسامري العارضي، والسامري الحائلي، والسعب، والدانة، والمجس، والسيفية، في حضور دائم للقهوة السعودية، وتمور الأحساء، نقلت المملكة لأعضاء التراث العالمي مفهومًا مغايرًا عن انطباعات الملفات والأوراق، إذ أبهرت الضيوف بضخامة تراثها، وسعة كرمها الذي فاق التوقعات وفقًا لتصريحات الزوار، منذ بدأ أعمال اللجنة حتى نهايتها اليوم.
ونتيجة لذلك الإبهار كان رئيس الوفد الهندي في لجنة التراث العالمي قد عبر عن الاستضافة بقوله: "نعرب عن تقديرنا لحكومة المملكة العربية السعودية والمنظمين والشعب الرائع، لكرم الضيافة وحسن الوفادة لهذه الدورة الـ 45 للجنة التراث العالمي، وفد بلادي يشكر المملكة على هذه الزيارة لمواقع العلا وغيرها من المواقع الأثرية والمتاحف".
فيما قطع مدير التراث العالمي لليونسكو قول كل خطيب حين قال: "آخر الكلمات لك سيدي الرئيس الدكتور عبدالإله، نحن والأمانة نعرض لك إعجابنا لطريقة إدارتك لأعمالنا، في مدة قصيرة تمكنت من فهم كل البنود وقادتنا دائمًا لكي نصل إلى حلول توافقية في كنف اللجنة".
وكانت الدورة قد لاقت قبولًا واسعًا من أوساط المهتمين بالتراث بوصفها دورة موسعة غير مسبوقة في جدول أعمالها وحجم الملفات التي نوقشت فيها، إذ درست أكثر من 50 طلبًا للانضمام لقائمة التراث العالمي، حصل 47 منها على القبول، فيما ضم برنامجها ندوات وجلسات نقاشية عديدة أثرت أعمالها.