الحج في إندونيسيا وماليزيا قديمًا.. ادخار الأموال منذ الولادة لأداء الفريضة
يوليو 2022,05

كان عقد النية على أداء فريضة الحج قديمًا همًا مؤرقًا، ومطلبًا صعب المنال عند الجميع، لأسباب عدة أهمها التكاليف الباهظة التي تفرضها المسافة البعيدة، ومخاطر الترحال وصعوبته. إلا أن شيئًا مشتركًا جمع بين حجاج ماليزيا وإندونيسيا قديما لتخطي الصعاب وأداء مناسك الحج، وهو ادخار الأموال منذ الصغر.


 جرت العادة القديمة في كل من ماليزيا وإندونيسيا، على أن يبدأ كل من ينوي أداء فريضة الحج بتوفير التكاليف وادخارها، على مدار سنوات طويلة.


ففي إندونيسيا عادة ما كان يحتفظ من ينوي الحج بهذه المدخرات في زوايا البيوت وداخل قطع الأثاث، أو تحت الفرش والأسرة، أو في حفر يتم حفرها في ساحات البيوت والمزارع، ويتم ردم هذه المبالغ فيها حتى تكتمل ويحين موعد استخدامها.


وأحيانا يتم شراء قطع أراض، أو عقارات، على أمل أن يرتفع ثمنها بعد فترة من الزمن، فيتم بيعها وتغطية تكاليف الحج بثمنها.


أما في ماليزيا، فمنهم من ادخر منذ الصغر، ومنهم من باع أرضه ومواشيه، وكل ما لديه من نفيس وغال لأداء مناسك الحج، ورؤية الكعبة المشرفة في مدينة مكة المكرمة.


دروب طويلة وخطيرة سلكها حجاج إندونيسيا وماليزيا


سلك الحجاج القادمون من إندونيسيا وماليزيا قافلة الحج اليمني التي تضم إليهم حجاج اليمن، والهند، وشرق أفريقيا الحبشة والصومال. وانطلقت قافلة الحج اليمني عبر البحر الأحمر.


وكانت القوافل تضم فئات مختلفة. ففيها الأمراء والأثرياء، والتجار ومعهم تجارتهم، إلى جانب الفقراء، والمعدمين، وكان كلٌّ حسب قدرته يرافق القافلة. فيها الهودج والجمال والخيول، وفيها الرحالة من البدو والفقراء.


أما الطريق الى الحجاز في ذلك الوقت، فكانت طويلة تستغرق شهورًا تحفّها المخاطر، إذ لم يكن السبيل إليه مالًا فقط، بل مخاطرة كبيرة قد تنتهي بالضياع في الصحراء أو الموت عطشًا بسبب عدم وجود مياه عذبة في طرق القوافل.


رحلة شاقة تتوق إليها الأرواح في إندونيسيا


الحج هو رحلة العمر الساحرة والشاقة التي تتوق لها الأرواح والقلوب في إندونيسيا قديمًا.


فقد ذكر المؤرخون أن الهولنديين هم من كانوا ينقلون حجاج إندونيسيا إلى الأراضي المقدسة على سفنهم، وكانوا يعسكرون في جدة لشهر وشهرين وأكثر، في انتظار عودة الحجاج.


وحرص المجتمع الإندونيسي على القيام بعادات لا تزال متوارثة عبر الأجيال في توديع حجاج بيت الله الحرام، حيث يذهب الأهالي والجيران إلى منزل من ينوي السفر للحج، ويدعون له ويتمنون له السلامة.

 وبعضهم يشارك بإحضار المأكولات لتقديمها في الزيارات والمجالس، التي تعقد باستمرار في منزل الحاج منذ إعلان سفره.


وأول ميزة يحصل عليها الحاج الإندونيسي هي أن لقب الحاج يصبح مقطعًا من اسمه ولقبًا يرافقه. ويبادر بعض الحجاج ممن يحملون أسماء غير عربية فور عودتهم من أداء المناسك إلى تغيير أسمائهم إلى العربية.


رحلات حج في ماليزيا منذ القرن الرابع عشر الميلادي


يعود تاريخ الحج في ماليزيا إلى القرن الرابع عشر الميلادي أو الخامس عشر، والدليل على ذلك الحجر المنقوش الذي تم اكتشافه في ولاية ترنجانو الماليزية، والذي يرجع تاريخه الى العام 1303هـ.

ويشكل الحجر المنقوش دلالة قوية على وصول الإسلام إلى جزيرة الملايو واعتناق أهلها الإسلام.


وبحسب المؤرخ والرحال البرتغالي توم بيرس (المتوفى في 1524 أو 1540)، فإن السلطان علاء الدين رعاية شاه وهو الحاكم السابع من سلسلة حكام سلطنة ملقا الإسلامية الذي حكم من الفترة الممتدة ما بين 1477 حتى 1488، جهز نفسه واستعد للسفر إلى مدينة مكة المكرمة لأداء فريضة الحج نيابة عن أبيه الذي وافته المنية.


كذلك، توجد سجلات تاريخية في متحف ولاية ترنجانو تدل على وجود رحلات الحج في القرنين السابع عشر والثامن عشر الميلادي.


أما في القرن التاسع عشر فقد سجل الأديب والمؤلف الماليزي الشهير منشي عبدالله بن عبد القدير رحلته لأداء مناسك الحج، واصفًا الرحلة بـ"الشاقة يواجه فيها هو ومن معه أمواج البحر المخيفة يمينًا وشمالًا، حتى وصل بهم التمني العودة إلى بطون أمهاتهم مرة أخرى بعدما ولدوا".


صندوق الحج


ولاحقًا، عملت السلطات الماليزية على تحقيق رغبة المواطنين بأداء مناسك الحج، فكانت فكرة صندوق الحج، أو ما يعرف باللغة المحلية "تابونغ حاجي". تعود نشأة الفكرة في ماليزيا إلى عام 1959، وكان صاحبها البروفيسور في علم الاقتصاد أنكو عبد الرحمن، الذي دعا إلى تأسيس صندوق استثماري خاص بالحج.


أما في إندونيسيا، فقد أنشأت السلطات في العام 2014 صندوق الحج، الذي يضم مبالغ مالية يدفعها من يعتزم الحج ليدخلوا قائمة الانتظار التي تصل إلى 12 عامًا.

جميع الحقوق محفوظة لوزارة الإعلام | المملكة العربية السعودية © 2023