كانت نسبة كبيرة من الحجاج لا تعرف عربة النقل المخصصة للنقل والتغطية الإعلامية في عام 1972، وكانوا يعتقدون أنها سيارة إسعاف تخترق زحام المشاعر. وكان العاملون في ذلك المجال يذهبون في سيارة واحدة لقلة وجود المركبات، معتمدين على قدراتهم، التي لم تكن سوى أجهزة متواضعة.
عندما أصدر الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود -طيب الله ثراه- في عام 1949 مرسومًا ملكيًا وضع فيه الإطار العام للإذاعة السعودية، تضمن المشروع إقامة غرفة المراقبة الرئيسية وأجهزة الإرسال في مدينة جدة، مع إنشاء أستوديو آخر في مدينة مكة المكرمة بكامل أجهزته، بهدف تمكين الإذاعة من نقل برامج الحج وشعائره من عرفات إلى منى.
وبدأ الإرسال ببث كلمة ألقاها الأمير فيصل (الملك بعد ذلك) بمناسبة الوقوف بعرفة في الحج، تضمنت تهنئة الحجاج بمناسك الحج والترحيب بقدومهم إلى الأراضي المقدسة، حتى بدأ البث الإذاعي من إذاعة الرياض بعدها بتسع سنوات في العام 1965.
وشاركت إذاعة جدة في تغطية مواسم الحج في ذلك الوقت، عبر استحداث مجموعة من البرامج المباشرة والمسجلة، إلى جانب تلوين بعض البرامج القائمة وتطويعها للمناسبة، ويتم التمهيد لدورة الحج قبل بدئها بأسبوع، أي في أواخر شهر ذي القعدة، والبرامج الإذاعية الخاصة بدورة الحج تتناول بصورة رئيسة الجانب الإعلامي والإنساني، والجانب التوعوي والإرشادي، الذي يسهم في أن يؤدي ضيوف الرحمن مناسكهم في أمن وسلام وراحة ويسر.
بدوره، شهد النقل التلفزيوني السعودي المباشر لمناسك الحج إلى مختلف دول العالم انطلاقته الأولى في عام 1972، عبر شبكات "الأقمار الصناعية"، ليصل إلى 700 مليون مسلم حول العالم.
وبدأ في ذي الحجة من عام 1394هـ التقاط عرض الأحداث الخارجية لمناسك الحج بعد ساعات من وقوعها، ليتوالى على إثرها تطور تلك الوسيلة الإعلامية، مع صدور قرار مجلس الوزراء عام 1433هـ، بتحويل التلفزيون السعودي والإذاعة السعودية إلى هيئة عامة تحت مسمى هيئة الإذاعة والتلفزيون لتصبح بذلك هيئة مستقلة.
وخلال تلك المراحل، لم تتأخر المملكة عن تسخير قدراتها في مجال صناعة المحتوى الإعلامي، الذي يتحدث عن الخدمات المقدمة للحجاج، ويرصد تفاعل ضيوف الرحمن، وما يحظون به من عناية واهتمام يصب في تيسير أداء مناسكهم، وما يحفظ عليهم سلامتهم وأمنهم، وما تشملهم به تلك الخدمات من رعاية صحية وعناية طبية، وهي صورة تجعل المتلقي لها عبر العالم، خصوصًا أهل وأقرباء الحجاج، يأنسون بذلك ويطمئنون على أوضاع ذويهم في الحج عبر التلفاز .
سيارة إسعاف تخترق زحام المشاعر!
وفي ذلك الوقت، كان كثير من الحجاج لا يعرفون العربة المخصصة للنقل والتغطية، وكانوا يعتقدون أنها سيارة إسعاف تخترق زحام المشاعر. وكان العاملون في هذا المجال يذهبون في سيارة واحدة لقلة وجود المركبات، أما المخرج قديمًا فكان يعتمد على قدراته، التي لم تكن سوى أجهزة متواضعة.
وبفريق عمل لا يتجاوز عدده 30 موظفًا لتصوير موسم الحج بأنظمة تصوير تقليدية، وكان الفريق يخرج من مدينة جدة بسيارة نقل واحدة تستوعب 4 كاميرات فقط، قبل ليلة الوقوف في عرفة، ويتمركزون بجوار مسجد نمرة، بحيث يضع الفريق سيارة النقل بجوار المسجد، ويضعون حولها "ستارة" عبارة عن "تيزار قماشي".
وبروح واحدة كان الفريق يمدّ الكابلات ويثبتها بنفسه، حيث لم يكن يعرف بعد البث المباشر، إذ كانت جميع المواد المصورة غير مباشرة، فيما ترسل المواد عن طريق شبكة "المايكروويف"، من منطقة إلى أخرى إلى أن تصل إلى مركز البث في جدة، حيث لم تعرف مكة في ذلك الوقت أعمال البث التلفزيوني.
جمع الكاميرات إلى مزدلفة
وإلى جانب الحضور المُبكر في القصر الملكي في منى لتصوير استقبال الملك لقادة العالم الإسلامي وزعمائه وعلمائه، الذين أتوا لتأدية مناسك الحج، كان فريق العمل يجمع الكاميرات ويضعها داخل عربة النقل، ليدخل أعضاء الفريق في زحام الحجاج للوصول إلى مزدلفة للتصوير، ثم الوصول صباح يوم العيد لتصوير الاستقبال، حيث كان فريق العمل يستمر في العمل على مدى يومين لتوثيق أعمال الحج.
أما والمحررون الصحفيون فكانوا يعانون كثيرًا بسبب قلة الاتصالات وتواضعها، فهؤلاء كانوا يذهبون إلى مقر إمارة مكة المكرمة لإرسال المواد الصحفية المتعلقة بالحج وشؤون الحجاج، بينما كانت الأخبار العاجلة تنقل عبر أجهزة الهاتف (أبوقرص) ويتولى سائق الصحيفة إيصال المواد والصوّر يوميًا إلى جدة، واستمر الحال هكذا إلى أعوام عدة.