كيف أصبح "حداء الإبل" تراثًا عالميًا؟
سبتمبر 2023,21

"الحداء هو نوح الأمهات والأبناء على فتى قد مات من أجلهم، لكي يعود بناقة هزيلة جرباء"، هذا الاجتزاء من قصيدة حملت اسم "الحِداء"، اختارها الشاعر والباحث سليمان الفليّح لتقديم بحثه عن فن الحداء الصوتي الشهير في الجزيرة العربية، إذ فضّل الشاعر أن يتناولها من جانبها التراجيدي، بوصفها فنًا حربيًا يودّع به الجنود، ويستقبل به الناجين.

إلا أنه لم يعد كذلك، بعد أن بات هذا الموروث الصوتي في الخليج أداة تواصل بين كائنين يعيشان معًا، اختارا أن يتخاطبا بينهما بأغنية، مما دفع دولًا هي: السعودية، والإمارات، وعمان، إلى إدراجه في قائمة التراث العالمي في عام 2022.

ودرج الفليّح على تناول الجانب التواصلي بين الإنسان والإبل في بحثه، إذ يقول في كتابه "الحداء نشيد الموت" إن أول حدوٍ موثق كان لمضر بن نزار، بعد أن سقط من على ناقته، وكُسرت ذراعه ثم أكمل رحلته ينوح على يده، وما لبث إلا أن بدأ ينظم نواحه مع خطوات ناقته، وبدأت بدورها بالتفاعل معه، ليكون أول وزن شعري عرفته العرب، وما زال يعرف إلى اليوم باسم "بحر الرجز" على رجاز الناقة.

وعليه، ما زال بحر الرجز هو الأشهر في نظم الحداء الذي تفهمه الإبل، ويكون جليًا في "العوبال"، وهو نداء الإبل لمشربها ومأكلها عن طريق ترديد أصوات بلا كلمات واضحة على إيقاع "مستفعلن مستفعلن مستفعلن" الأقرب إلى بحر الرجز. 

وهناك "الهوبال" الذي ينشز عن الرجز في صورته العروضية بعض الشيء إلى "فعلن فعلن فعلن"، وهو أداة تقوم على أبيات خفيفة يسلي فيها الراعي إبله أثناء أكلها وشربها، حتى تشعر بالسعادة وتبادله إياها.

وما دفع الفليّح إلى التركيز على جانبه الحربي، يفسّره الباحث إبراهيم الخالدي في بحثه "الرجز والحداء بين الفصحى والعامية"، عندما قال إن "العرب قديمًا لم تقر ببحر الرجز بوصفه بحرًا من بحور الشعر اللائقة"، وقد اقتصر استخدامه على الحرب والمفاخرة.

إلا أن هذا تغير في العصر العباسي وبات الشعراء لسهولته ينظمون عليه المدح والهجاء والمساجلات والغزل، كما استمر استخدامه كلغة تواصل بين الرعاة والإبل.

وتعرف الإبل صوت راعيها، ولا تستجيب لحداء غيره، بوصفه جسر التفاعل الوثيق بينها وبينه، وهو ما يجعله لحن الحياة بينهما، بعد أن كان نشيدًا للموت يومًا ما، كما سماه الفليّح.

جميع الحقوق محفوظة لوزارة الإعلام | المملكة العربية السعودية © 2023