على دروب الحج قديمًا: تونس ممرّ لا بد منه
يوليو 2022,05

لطالما كان أداء فريضة الحج حلمًا يسعى إلى تحقيقه المسلمون على مرّ العصور. وعلى الرغم من صعوبة الرحلة في الماضي، إلا أن قوافل الحجاج القادمة من تونس توجهت ملبية النداء نحو بيت الله الحرام، بقلوب تهفو لأداء الركن الخامس من أركان الإسلام.

 

لا يمكن مقارنة مجهود الحج في عصرنا هذا بما واجهه الناس عبر أزمنة طويلة من مصاعب ومآسٍ لا تُعدّ ولا تُحصى، بعضها دوّنه التاريخ وسجله، وأكثرها غاب مع من غيّبهم الموت في طريقهم إلى الحج وما أكثرهم.


وأصعب ما كان في رحلة الحجاج التونسيين ليس طول فترتها، بل المخاطر الكامنة على طول طريق الرحلة، من قطاع طرق والتقلبات الجوية، مثل شدة الحرارة أو شدة الأمطار، إلى البرد في ليالي الصحراء، ما يسبب أمراضًا قد تقضي على الحجاج.


من تونس، كانت تنطلق في كلّ موسم قوافل الحجّ التي ينضمّ إليها حجّاج المغرب الأقصى والجزائر، في رحلة مشتركة كانت الغاية منها توفير أسباب الأمن والتعاون.


جميع تلك الصعوبات، كانت تستلزم الحذر الشديد من الأفراد المسؤولين عن قافلة الحجاج التونسيين، وكان لابد من أن يتسلح بعض الرجال ببنادق خفيفة للدفاع عن أفراد القافلة ضد هجمات المتطفلين، في حين كان يجب أن يكون عدد الإبل أو المطايا أكثر من عدد الأفراد، حتى تستريح بعض الإبل من أحمالها، وتستطيع إكمال الرحلة المجهدة التي تمتد شهورًا طويلة في ظروف مناخية وبيئية شديدة الصعوبة.


وحتى الوصول الى مكة المكرمة، كانت المطايا تمضي النهار كله في السير حتى وقت انتصاف الشمس في السماء. وكان الحجاج يجمعون الحطب من أي مكان خلال مسيرتهم، حتى يستخدمونه للطهي.


أما أوقات الراحة في المساء فكانت تقل كثيرًا إذا كان القمر بدرًا، حيث يستغل أفراد القافلة اعتدال الطقس ليلًا، وانكشاف الطريق أمامهم بفضل ضوء القمر، لقطع مسافات أكثر تقلل من عناء السير تحت أشعة الشمس الحارة، فيما لم تكن الطرق التي يسلكونها آمنة، بسبب انفلات الأمن وتواجد اللصوص المتربصين بقوافل الحجاج على الخصوص، لسلبهم ونهبهم تارة أخرى. 


تونس ممر لابد من عبوره


ولم يكن لحجّاج الشمال الأفريقي بدّ من عبور تونس لركوب البحر، أو لسلوك المسار البري، ويُقابل الزائرون خلال إقامتهم في تونس بالحفاوة والتهليل، وتلبس مدنها حلل الزينة ترحيبًا بهم.


وللحجّ طريقان: طريق مُسحّل، أي عبر السواحل الأفريقيّة ومدنها، ويكون هذا في فصل الصيف والآخر جنوبي في الشتاء يمرّ عبر وادي سوف والجريد ومدن الصحراء الليبية، إلى الواحات الداخلة والخارجة في مصر، إلى قوْص فحميثرة، ثمّ مناطق الصحراء الشرقية الأخرى إلى ميناء عيذاب، ثمّ إلى جدّة.


من تونس، كما بلاد المغرب العربي، كانت رحلة الحج تستغرق ثمانية أشهر، قد تصل إلى سنة بل سنتين لمن ضاع به الطريق ووصل متأخرًا عن الحج، فمكث في مكة ينتظر الموسم المقبل من دون معرفة الأهل عنه من موت أو حياة.