الإبل سفن قوافل الحجاج.. حملت على ظهرها أحلامًا حتى سلّمت مهامها 
يوليو 2022,05

منذ زمن الخليل إبراهيم عليه السلام، حين أذن في الناس بالحج، قصد ضيوف الرحمن بيت الله الحرام في مكة المكرمة، من كل فج عميق، ليشهدوا منافع لهم، ويذكروا اسم الله في أيام معلو. 

كانت الرحلات قديمًا تعتمد على وسائل بدائية شاقة، كان النجم فيها هو الجمل الذي حمل على ظهره حجاجًا ومتاعًا وأحلامًا في رحلة العُمر، حتى أنهى مهمته في عام 1342هـ

 

لا يمكن مقارنة الحكايات التي تتحدث عن المعاناة والمشقة، وبُعد المسافات وأطوالها، وأحلام الحج التي تملأ قلوب ضيوف الرحمن، بما رأوه على ظهور الإبل، وحفظوه في صندوق ذكرياتهم، التي تجتمع فيها مفردات الفرح والحزن والسعادة والبكاء والرحيل.


ومنذ مئات السنين حتى عهد قريب قبل أن تعرف المنطقة طريقها نحو الحداثة، كانت القوافل تنساب على ظهور الإبل نحو مدينة مكة المكرمة، وكان الحجاج يخترقون الجبال مشيًا على الأقدام، يحملون متاعهم وطعامهم وشرابهم على الدواب، ومنها الجمال خصوصًا، حيث كانت وسيلة النقل الوحيدة في الماضي.


وتحمل الإبل في ذاكرتها قصصا تجمع ما بين الترحاب والوداع، والفرح والدموع، وربما الفقد أيضًا. قبل 100 عام كان نقل الحجيج من مكة إلى المدينة المنورة يتم على ظهور الجمال، وفق نظام خاص تقوم عليه هيئة يٌطلق عليها "هيئة المخرجين" تتولى مسؤولية إحضار الجمال والجمّالة، وتتبعهم جماعة أخرى تعرف بالمقومين، مهمتهم تقدير حمولة الجمل من أمتعة الحجاج وركوبهم. 

اللوري يحمل عن الإبل تبعات الرحلة الشاقة 


وقبل قيام السعودية على يد الملك المؤسس عبدالعزيز آل سعود (رحمه الله)، استمرت رحلة الحجاج لأشهر عدة تصل حد السنين أحيانًا، وكان الحجاج يأتون من بلادهم لأداء مناسك الحج، وهم يواجهون لهيب الشمس الحارقة، وربما يواجهون الأمطار الغزيرة والعواصف العاتية. 


وفي عام 1342هـ 1924 ميلادية تحديدًا، حلّت السيارات بديلًا عن الإبل في نقل ضيوف الرحمن بين مكة المكرمة وبين المشاعر والمدينة المنورة، ثم جاءت اللوري (الشاحنة) لتحمل عن الجمال تبعات الرحلة الشاقة.


وفي عام 1355هـ، حج الناس نحو مكة المكرمة بالسيارات، حيث انتهى عصر الحج على الإبل، وقبلها بثلاث سنوات سنة 1352هـ، جمع الملك عبدالعزيز (رحمه الله) سيارات مملوكة للدولة، كما أمر بنقل حجاج بالسيارات على حساب الدولة. 


وكان يتم تصميم حافلات على شكل دورين: الأسفل للنساء والأعلى للرجال.


 فمن القصيم مثلا قطعت إحدى الرحلات الصحراء إلى مكة قبل تعبيد الطرق، واستغرقت الرحلة للحج 15 يومًا حتى العودة للقصيم مرة ثانية. 


أجرة الجمل تُحدّد مع بداية موسم الحج


أما أجرة الجمل فكانت تقدر في بداية موسم الحج، فهناك أجر محدد للجمل الذي يحمل الحاج، وآخر للجمل الذي لا يحمل إلا عفش الحاج فقط.


وشكل العام 1442هـ تاريخًا فارقًا في مسيرة الحج، حيث تم الإعلان عن مرور قرن كامل على تسليم الإبل لمهمتها، التي طالت لسنوات طويلة، وشهد الكل بأثرها وتأثيرها في أداء الملايين للفريضة، ولتنهي

مهمتها في عام 1342هـ، مودعة مسماها الرسمي كناقل معتمد للحجيج، لتقوم السيارات بهذه المسؤولية بديلًا عنها. 


وفي عام 1365هـ تم إيقاف العمل رسميّا بنظام المخرجين والمقومين، وتأسست بعد 3 سنوات فقط من ذلك التاريخ وتحديدًا في عام 1368هـ النقابة العامة للسيارات، ومن بعدها النقابة العامة الثانية للسيارات، التي تعمل تحت مظلة وزارة الحج.


ولم يكن بُعد المسافات وطول الطرق غير المُعبدة حينها، هو المشكلة الوحيدة التي يتحملها الجمل وراكبه، بل تتعاظم المسؤولية الكبيرة على الجمّال (المطوّف)، الذي لا تقف مهمته عند حدود معرفة الطرق، بل تزداد بوصفه المرجع الأول والأخير لدى الحاج، يسأله في كل شيء بدءًا من المسافات وتوفير المياه وتأمين المبيت وترتيب أوقات السير والانتظار، وانتهاءً بشرح الأحاديث وتفسير الآيات.


ويكون السير خلال رحلة القافلة أثناء برودة الجو فقط، وعندما تشتد حرارة الشمس في الظهيرة يتوقف الركب للراحة تحت ظل الأشجار.


 ويعمد المسافرون أثناء الرحلة إلى أكل بعض الطعام، كل على حدة مع أهل بيته، بعدما يترك المطية ترعى حولهم، ومن ثم تواصل القافلة المسير إلى وقت الليل.

جميع الحقوق محفوظة لوزارة الإعلام | المملكة العربية السعودية © 2023