الطريق إلى مكة من مصر.. مسارات تلتقي في سيناء وأخرى بحرية
يوليو 2022,01

لطالما كانت مكة قبلة للحجاج القادمين إليها للتعبد، فقبل الإسلام، كان العرب يحجون إليها من مختلف أنحاء الجزيرة العربية، للعبادة والتجارة والتنافس فيما بينهم لاختيار أفصح الأشعار وأجملها. إلى أن جاء الإسلام وساهم بفعل انتشاره السريع وتوسع رقعة الدول الإسلامية حتى ضمت دول المغرب وبلاد الأندلس غربًا حتى بلاد فارس والهند شرقًا، في مضاعف أعداد الحجاج القادمين لأداء فريضة الحج من مختلف أنحاء العالم الإسلامي.


لكن الحج كان وقتذاك رحلة لا تخلو من مشقة، لبعد المسافة وعدم توفر وسائل للنقل والترحال عدا القوافل.


ومنذ فتح المسلمين لمصر، توافد عدد كبير من الحجاج إلى مكة لأداء مناسك الحج امتثالًا لأوامر الله واتباعًا لسنة نبي الإسلام محمد (صلى الله عليه وسلم). وعلى مر القرون، اختلف المسار الذي يتبعه الحجاج من مصر إلى مكة، حيث قسمه الدكتور علي إبراهيم الغبان في دراسة له عن مسارات الحج، إلى أربعة مسارات تجتمع وتختلف في بعض مراحلها مع اختلاف وسائل النقل البرية والبحرية المستخدمة في المراحل الزمنية المختلفة. وبحسب العديد من الرحالة والمؤرخين ومنهم القلقشندي، كانت قوافل الحجاج تقطع المسافة من القاهرة إلى مكة في حوالي الشهر.


بشكل عام، كان الطريق البري الأكثر انتشارًا والخيار الأبرز للحجاج حتى فترة زمنية ليست بالبعيدة، حيث كان الحجاج يتوجهون من مصر إلى سيناء ومنها إلى العقبة، الواقعة اليوم جنوب المملكة الأردنية الهاشمية، والتي كانت نقطة التقاء العديد من مسارات القوافل للحجاج والتجار القادمين من مصر ودول أفريقيا والمغرب العربي غربًا ومن بلاد الشام وإسطنبول شمالًا، ومن ثم السفر على طريق القوافل الساحلي لجزيرة العرب مرورًا بمدين شمال الجزيرة العربية حتى الوصول إلى مكة المكرمة.


طريق الحج المصري القديم عبر سيناء كان مقسمًا إلى 3 مراحل يقطعها الحجاج في 10 أيام عبر القوافل، المرحلة الأولى من القاهرة حتي عجرود بطول 150 كيلو متر، والمرحلة الثانية من عجرود حتى نخل بطول 150 كيلو مترا، ثم المرحلة الثالثة من نخل حتى عقبة أيلة بطول 200 كيلو متر.


واعتمد أغلب حجاج مصر على هذا الطريق ذهابًا وعودة، إضافة إلى حجاج المغرب العربي والأندلس وغرب إفريقيا، وكان السلطان المملوكي قنصوه الغوري أول سلاطين مصر الذين رسموا طريق للحجاج المصريين بوسط سيناء، حيث قام بقطع جبل عراقيب وجبل العقبة؛ لتمهيد طريق مستقيم بين القاهرة والأراضي الحجازية؛ لتقليل عناء السفر للحجاج ووضع لوحة إرشادية له، مازالت قائمة حتى الآن وعليها ختمه الخاص.


ومن الطرق الأخرى التي اتبعها الحجاج للسفر من مصر إلى مكة بحسب دراسة الدكتور الغبان وبعض المراجع، الطريق البحري، والتي كان يستقل فيها الحجاج السفن لقطع البحر الأحمر من ساحل مصر إلى ساحل الجزيرة العربية، ومنها التوجه برًا إلى مكة. وبقيت القوافل متبعة حتى أواخر الدولة العثمانية، والتي قامت آنذاك بمد خط سكة الحديد الذي يربط إسطنبول ببلاد الشام حتى مكة والمدينة، والذي لا تزال آثاره وبنيته التحتية قائمة حتى اليوم في العديد من المدن والعواصم العربية، حيث ساهمت السكة الحديدة بخفض المدة الزمنية للوصول إلى مكة بالإضافة إلى دورها الكبيرة في التخفيف من مشقة السفر.