حملت على ظهرها أحلاما حتى سلّمت مهامها الإبل بطلة مواسم الحج قديما
يونيو 2023,26

كانت رحلات الحج قديما تعتمد على وسائل نقل بدائية شاقة، بطلها الجمل الذي حمل على ظهره حجاجا ومتاعا وأحلاما في رحلة العُمر حتى أنهى مهمته في العام 1342ه


على مر مئات السنين وحتى عهد قريب، قبل أن تعرف المنطقة طريقها نحو الحداثة، كانت قوافل الحجاج تنساب على ظهور الإبل نحو مكة المكرمة، وكان الحجاج يخترقون الجبال مشياً على الأقدام، وتحمل أمتعتهم الجمال، لكونها إحدى وسائل النقل القليلة المتوفرة والأكثرها كفاءة وصبراً على المشقات في الماضي.

وكانت رحلة الحج قبل قيام المملكة العربية السعودية على يد المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله)، محفوفة بالمخاطر، حيث واجه الحجاج تحديات وتهديدات كثيرة لاسيما من قطاع الطرق، لذلك كانوا يسيرون جماعات ويقطعون الصحاري والطرق الوعرة على الإبل شهورا ليصلوا إلى مكة المكرمة.

قبل 100 عام كان نقل الحجيج من مكة المكرمة إلى المدينة المنورة يتم عبر الجمال وفق نظام خاص تقوم عليه هيئة يُطلق عليها "هيئة المخرجين" تتولى مسؤولية إحضار الجمال والجمّالة وتتبعهم جماعة أخرى تعرف بـ"المقومين" مهمتهم تقدير حمولة الجمل من عفش الحجاج وركوبهم.

أجرة الجمل تُحدّد مع بداية موسم الحج

أما أجرة الجمل فتقدر في بداية موسم الحج، فالجمل الذي يحمل الحاج له أجر، والجمل الذي لا يحمل إلا عفش الحاج فقط له أجر مختلف.

ولم تكن بُعد المسافات وطول الطرق غير المُعبدة حينها، هي المشكلة الوحيدة التي يتحملها الجمل وراكبه، بل تتعاظم المسؤولية على الجمّال (المطوّف) الذي لا تقف مهمته عند حدود معرفة الطرق، بل تزداد بوصفه المرجع الأول والأخير لدى الحاج، يسأله في كل شيء بدءا من المسافات وتوفير المياه وتأمين المبيت وترتيب أوقات السير والانتظار وانتهاءً بشرح الأحاديث وتفسير الآيات.

ويكون السير خلال رحلة القافلة أثناء برودة الجو فقط، أما عندما تشتد حرارة الشمس في الظهيرة يتوقف الركب للراحة ويعمد المسافرون أثناء الرحلة إلى أكل بعض الطعام كل على حدة مع أهل بيته بعدما يترك المطية ترعى حولهم ومن ثم تواصل القافلة المسير إلى وقت الليل.

"اللوري" يحمل عن الإبل تبعات الرحلة الشاقة

واستمرت رحلة الحجاج لأشهر عدة تصل حد السنين أحيانا، قبل عهد المغفور له بإذن الله الملك المؤسس عبد العزيز بن عبدالرحمن آل سعود (رحمه الله)،، حيث حلت السيارات في عام 1342ه (1924 ميلادي)، بديلا عن الإبل في نقل ضيوف الرحمن بين مكة المكرمة وبين المشاعر المقدسة والمدينة المنورة، ثم جاء اللوري (الحافلة) ليحمل عن الجمال تبعات الرحلة الشاقة.

وكان يتم تصميم الحافلات على شكل دورين: الأسفل للنساء والأعلى للرجال. فمن القصيم مثلا قطعت أحدى الرحلات الصحراء إلى مكة (قرابة 900 كيلومتر) قبل تعبيد الطرق واستغرقت الرحلة للحج 15 يوما حتى العودة للقصيم مرة ثانية.

لا يمكن حصر الحكايات التي تتحدث عن المعاناة والمشقة وبُعد المسافات وأطوالها وأحلام الحج التي تملأ قلوب ضيوف الرحمن، بما رآه الإبل واختزنه في صندوق ذكرياته والتي تجتمع فيها مفردات الفرح والحزن، والسعادة، والبكاء، والرحيل.


جميع الحقوق محفوظة لوزارة الإعلام | المملكة العربية السعودية © 2023