"شال الحسا" يطوق عنق باريس
نوفمبر 2023,27


تمثل الأزياء لغة صامتة تبرز الهويات الثقافية وما تكتنزه من عراقة وتفرّد، وذلك ما يتلمّسه ويعيشه زوار "واحة الإعلام" في العاصمة الفرنسية "باريس"، حين تطوّق أعناقهم بـ"شال الحسا" ضمن إهداءات تبرز بخامة فريدة وتطريز وطني رائحة الأرض، ودفء البيئة الاجتماعية، وأصالة الموروث السعودي. 


وباتت الفعاليات في باريس التي بدأت ولم تنقطع بالعرض التقديمي لإكسبو، المنعقد بالتزامن مع اجتماع الجمعية العمومية الـ173 للمكتب الدولي للمعارض لاختيار الدولة المستضيفة لمعرض إكسبو 2030، واجهة للثقافة السعودية وتراثها وإرثها ومستقبلها، وكان الشال المستوحى من "البشت الحساوي" أيقونة للتجدد، حيث تلتقي فيه عناصر خيوط الزري وزخرفة المكسر مع الوشاح الفرنسي.


وكما أراد المعهد الملكي للفنون التقليدية أن يكون، جاء "شال الحسا" ليكون تجليًا لفنون المملكة وإعادة صقلها وتصورها، فما عادت العباءة العربية الأشهر بطولها مرتبطة بالمناسبات المحلية للسعوديين وحسب، بل باتت أيضًا عنصرًا ثقافيًا له تمظهراته التي تندمج مع الثقافات الأخرى، ليمثل الشال لغة مشتركة تطوّق الأعناق ببهائها، وتعكس الفخامة بتطريزها المذهّب. 


ففي قلب باريس، يشغل شال "البشت الحساوي" موقعًا مختلفًا في تاريخه، فالمعهد الملكي للفنون التقليدية استطاع حمل تاريخ البشت، الذي يعود إلى ما قبل الميلاد، ليكون عنصرًا مختلفًا؛ من ملبس يغطي الأكتاف ويصل للأقدام، إلى وشاح يوضع حول الرقبة وعلى الكتفين، ليقود صناعة الأجيال التي تناقلتها عائلات محدودة في محافظة الأحساء بالسعودية إلى ضفة السين وموطن المعارض الفنية. 


يحضر البشت في الذاكرة اللغوية كمرادف للعباءة في دول الخليج العربية، وكما يقول الباحثون فإنه كان زيًا للرجال والنساء على حد سواء، كما يعد ضمن الأزياء الرسمية للرجال في السعودية، ويمثل الهيبة والمكانة الرفيعة ومكملًا للوجاهة، ويعتبره دليل الأزياء الخاص بالتراث السعودي أيقونةً رجاليةً دالةً على الأناقة والذوق الرفيع والشياكة، حيث يتسابق ويهتم مصممو البشوت السعودية بتقديم تصاميم ذات طابع مميز، يعبر عن فخرهم خلال الأيام الوطنية. 


وكما يتميز الشال بخامته الفريدة المستقاة من البشت الحساوي، يشير إصدارٌ لدارة الملك عبدالعزيز إلى نسبته لمحافظة الأحساء، حيث يصنع من خيوط الصوف أو الوبر إضافة إلى شعر الماعز، وقد تحاك أنسجته من خليط الصوف والوبر مع بعضهما، فيما يطرز بالزري في الجيب والأكمام، وتبدأ عملية حياكته بعد غزل الصوف بخيوط قطنية حسب لون البشت، وتستغرق وقتًا طويلًا، ويتطلب دقة ومهارة من الصانع، كما يكون أغلى ثمنًا وأرفع قيمة إذا كانت حياكته يدوية دون استخدام الآلات. 


ويصطبغ الشال باللون البني الفاتح أو الأشقر، فيما تحيط أطرافَه خيوطٌ حريرية ذهبية من الزري أو البريسم الحريري، فيما يستعيد قوامه عملية التصنيع المجهدة للمهنيين الحساويين، فالبشت يمر بسبع مراحل، تبدأ بما يسمى التركيب التحتي، التي تمثل خياطة أول طرز من الزري، ثم الهيلة التي يشق فيها المشلح، ثم التركيب الفوقي لتركيب الطرف الثاني من الطرز والزري على القماش، تليها مرحلة البروج وهي زخرفة المشلح، ثم المكسر لخياطة الخيوط الذهبية، وصولًا لمرحلة القيطان وهو خيط سميك مذهب يوضع على أطراف الخياطة الخارجية، وتوضع له كرتان صغيرتان من الزري المذهبة وتسمى الفرفوشة، وتنتهي بمرحلة البرادخ والتلميع، حيث يوضع الزري المخيط على قطعة خشب ويطرق بمطارق خاصة لتلميعه. 


ويستعيد مرتدو الشال بمجرد لمسه عدة لقطات تاريخية لسمو ولي العهد رئيس مجلس الوزراء الأمير محمد بن سلمان خلال زيارته لبريطانيا في عام 2018، حيث أظهرت تلك اللقطات الكاريزما التي يتميز بها من خلال حركة البشت الذي كان يرتديه، وأصبحت ضمن الصور الأكثر تداولًا لدى السعوديين كمنبع فخر بالزّي الوطني، كما يتذكر الزوار مشهد "بشت ميسي" خلال تتويج الأرجنتين بكأس العالم 2022، حيث مثّلت لقطة ارتدائه نقطة انطلاق لذيوع انتشار المشالح لجمهور عالمي عريض، إذ ارتدى قائد المنتخب الأرجنتيني بشتًا من النوع الفاخر المشغول يدويًا، والذي رصدت مواقع إعلامية قيمته بأكثر من 3 آلاف دولار.



جميع الحقوق محفوظة لوزارة الإعلام | المملكة العربية السعودية © 2023