هكذا خسر صغير "عائلة النمور" علاقته بجيرانه
فبراير 2024,19

 

واجه النمر العربي خطرًا جادًا بانقراضه تمامًا أسوًة بحيوانات أخرى عاشت في الجزيرة العربية، خاصة بعد أن صنفه الاتحاد الدولي لحفظ الطبيعة على قائمة الأنواع المهددة بالانقراض بشكلٍ حرج سنة 2008، وهو ما دق ناقوس الخطر، واستدعى خطوات جادة للحفاظ على أحد الكائنات التي تعد المملكة إحدى أهم مواطنها.

ويعتبر هذا الفصيل أصغر أفراد عائلة النمور حجمًا، إذ يبلغ أقصى وزن له 30 كيلو غرامًا، أي ما يعادل نصف وزن النمر الأفريقي. لكن هذا الصغير تقلص عدده في العقود الأخيرة إلى 200 نمر فقط، يعيشون في دول مختلفة تعد موطنه الأصلي، وهي السعودية وسلطنة عمان والإمارات واليمن، وتحتضن المملكة 50 فردًا فقط، بحسب إحصاءات رسمية.

 

بيد أن هذا الانخفاض الحاد لم يكن بلا سبب، إذ دفعت إليه سلسلة من السلوكيات غير المباشرة التي أدت بالنتيجة إلى خلق حالة من العداء بين البيئة الفطرية والمجتمع السكاني في مناطق عيش النمور عبر الأزمان، وفق التقديرات البحثية.

وتوثق الدراسات في هذا الصدد أن النمر بوصفه حيوانًا جبليًا، فقد عاش لقرون طويلة في مناطق تعاملت معه بصفة رمزية لكونه نموذجًا لصفات عدة، منها الجَمال والهدوء والقوة البدنية والشجاعة، وأيضًا التطلع للحرية، بحسب نقوش صخرية قديمة وثقتها هيئة التراث السعودية.

هذا الحضور الواسع في المخيلة المحلية يشير وفق خبراء الهيئة الملكية للعلا إلى أن العداء بينه وبين الغلاف السكاني المحيط ببيئته ليست حالة طبيعية، قبل أن تتبدل حالة الانسجام تلك إلى عداء يكتنفه الغموض، إذ لعبت ظروف ما دورًا في تطلّع سكان المنطقة إلى التوسع في المجمعات السكنية، ليجد النمر العربي نفسه مدفوعًا إلى التحول من البيئة الجبلية إلى الصحراوية ليكون الفصيل الوحيد في عائلة النمور الذي سجل حضورًا في هذه البيئة القاسية.

 

خسارة الحرب مع الرعاة

التمدد السكاني في بيئات الكائنات الأخرى حسب الدراسات لم يكن العملية الوحيدة التي قذفت به خارج المرتفعات، فقد تسبب هذا التمدد بالضرورة إلى زيادة الحاجة للغذاء، فقاد النمر لتوسيع عمليات الصيد لتأمين احتياجاته، مما أدى إلى تقلص أعداد الوعل النوبي والماعز الجبلي، وأيضًا حيوان الوبر الصخري الصغير، التي كانت طعام النمر الرئيسي، ما دفعه للبحث عن فرائس جديدة، مثل الأرانب البرية والحجل والقنافذ والنيص، التي عاشت خارج بيئته المألوفة.

هذا التراجع في الحياة الفطرية أدى أيضًا إلى دفعه لمهاجمة الحيوانات المستأنسة مثل الغنم والماعز، ما استدعى ردة فعل من الرعاة والمجتمعات المحلية انتهى بمهاجمتهم للنمور وغيرها من الحيوانات آكلة اللحوم بغرض حماية مواشيهم، وانتهى هذا الصراع بوقوف النمر العربي على حافة الانقراض.

 

لذا بدأت الهيئة الملكية بمحافظة العلا، القائد الرئيسي لمشروع حماية النمر العربي في السعودية ضمن جهود دولية لحمايته، مشروعها بإصلاح العلاقة بين النمور والسكان المحليين عبر التوعية بأهميته البيئية، وإطلاق برامج دراسية تهدف إلى تحفيز الطلاب على تنمية مداركهم وفهمهم إزاء النمر العربي كحيوان يحمل أهمية وطنية.

وعملت حملات التوعية على لفت الأنظار إلى الأخطار المحدقة بالحيوان الجميل، وغرس شعور الاعتزاز بين الشباب السعودي تجاه حمايته، بالإضافة إلى تقديم اقتراحات منهجية لبرامج دراسية من مرحلة الروضة وصولًا إلى الثانوية، تبدأ من التعرف على شكله عبر أدوات فنية تناسب الفئات العمرية الصغيرة، وصولًا إلى الدراسة المعلوماتية حوله.

وتقود الهيئة برنامجًا لإكثار النمر العربي توّج في السنة الماضية بولادة 7 نمور، بما رفع العدد الإجمالي إلى 27 داخل المحميات، بالإضافة إلى الأفراد الآخرين المرصودين في البرية.

 

"كات ووك" تمشي لأجل النمور

وفي سياق جهود إحياء الوعي الشعبي والعالمي بالقطط الاستثنائية، أسست السفيرة السعودية لدى واشنطن الأميرة ريما بنت بندر مؤسسة "كاتموسفير"، التي بدورها شاركت في نشاط دولي انتهى باعتراف الأمم المتحدة بـ10 من فبراير يومًا عالميًا للنمر العربي بطلب سعودي.

وعملت المنظمة التي أصبحت دولية على تنظيم مسيرة "كات ووك" سنويًا منذ العام 2021، يشارك فيها عشرات الآلاف من المهتمين في مختلف دول العالم، عبر اختيار نوع من أنواع القطط السبعة المهددة، وهي اليغور ونمر الثلج وأسد الجبال والفهد والببر، إلى جانب نوعين آخرين يعرفان بأسماء مجردة وهما النمر والأسد، وكذلك النمر العربي.

وشارك هذا العام 2024 في المسيرة مسؤولون سعوديون ودبلوماسيون، بعد أن انطلقت من الرياض إلى العالم، احتفاًء باليوم العالمي للنمر العربي.

وشهدت الفعالية التي نظمتها وزارة الخارجية السعودية، ومؤسسة «كاتموسفير» في حي السفارات بالرياض، مشاركة المهندس وليد الخريجي نائب وزير الخارجية، وعددٍ من المسؤولين وسفراء الدول في المملكة.

 وتهدف من خلال المشي مسافة 7 كيلومترات إلى تعزيز الوعي بترابط رفاهيتنا الجماعية مع الكائنات من حولنا، وأهمية الحفاظ على القطط الكبيرة السبعة؛ وأبرزها النمر العربي.


جميع الحقوق محفوظة لوزارة الإعلام | المملكة العربية السعودية © 2023